الثلاثاء، 2 مارس 2010

رحلة تساؤل

نخرجُ من الأرحام.. من عالمنا الصغير المحدود بحدود أجسادنا.. لنستقبل عالمنا الجديد.. بدمعاتٍ من أعينٍ تكاد ترى.. إنها رهبةُ الموقف.. قلبنا الصغير يعلمُ يقيناً إلى أين هو يُقدم.. إنها بداية رحلة "السؤال".. الرحلة التي تزعزع الاستقرار.. وتشكك الإيمان.. نواجه فيها أعتى المقاتلين.. أنفسنا.. أفكارنا.. ونمطٌ اعتدنا عليه.. نعم.. لا نستحق أن نُلام بالبكاء هُنا.. لكنها رحلةٌ قاسية.. لابد من خوضها.

لماذا؟ إنها رحلة تقودنا إلى الإيمان.. إلى اكتشاف حقائق وجودنا.. إلى معرفة أنفسنا.. التي تجعل لنا سبباً للاستيقاظ في كل صباح ! الإيمان لا يُورث.. إنما يُكتشف.. ويُختار.. ويُعتنَق.. ليحدد لنا إلى أين نتجه؟.. ليهمس لنا بأن نُكمل المسير عندما نسقط.. لتحتضنا قبورنا يوماً ما ونحن نبتسم بداخلها.. لأننا فعلنا ما يجب علينا فعله ! لذا هي رحلة تتطلب أن نخوضها جميعاً.. ليكتشف كُلٌُ منا إيمانه الذي سيدفعه للاستيقاظ كل صباح.

ولكن.. هل ستنتهي هذه الرحلة يوماً ما؟ ونصل إلى الإيمان الذي سيعيد الاستقرار لتلك الأنفس المتسائلة؟ كم يداهمني اليأسُ أحياناً حينما لا أرى نهاية لتلك الرحلة.. ويزداد اضطرابي عندما التفت إلى الخلف.. لأرى ذلك الكم من الأمور التي آمنت بها.. ثم اهتزت وسقطت بسبب رؤى أخرى تنقضها.. اكتسبناها بازدياد تجاربنا.. معلوماتنا.. وأسئلتنا ! هُنا.. في هذا الموضع: يقتحمني السؤال المقلق: إذا كان ما آمنت به سابقاً قد اهتز وسقط.. فهل ما أؤمن به حالياً سيسقط ويهتز كم حل بسلفه؟ وهل ما سأؤمن به مستقبلاً سيواجه المصير ذاته؟ هه يبدو إنها دوامة لن تنتهي إلى يقين...

إذا كانت هذه الجدلية صحيحة.. فمتى يبدأ الإنسان سعيه المستمر المنبثق من إيمانه المستقر؟ أعلم إن السعي في البحث بحد ذاته أمر إيجابي.. ولكن أن يقضي الإنسان حياته فقط باحثاً ومتنقلاً من فكرة إلى فكرة..بلا إضافة واضحة للعالم الذي يعيش فيه.. لا يبدو لي ذلك إنه هو المنهج الصحيح.. خصوصاً وإن تجربة التاريخ قد أخبرتنا إن البشر مستمرون بالبحث والسؤال.. ولن توجد هناك نقطة يتفق البشر على إنها "نهاية الأسئلة".

ما الحل؟ أعتقد إن رؤية إن السعي لن يبدأ إلا بعد أن يستقر الإنسان على رؤية ثابتة.. هي نظرة غير واقعية لأنه –برأيي- من المستحيل الوصول إلى إيمان ثابت ( إلا إذا توقفنا عن اكتساب الخبرات الجديدة.. والآراء المختلفة).. يبدو لي إنه لابد من التكيف مع ما سأسميه بـ"الإيمان المتغير".. ولا يعني ذلك أن يتغير إن إيماننا بالأشياء سيتغير جذرياً.. وإنما هي رؤى تختلف.. ورؤى أخرى تنضج.. وغيرها نزداد إيماناً وتمسكاً بها.

من هذا المنطلق.. لنسعى في مشروعٍ يجسد ما نؤمن به.. وليتحسن ويتطور.. وفقاً لتغير إيماننا.. وربما قد يتبدل ! وما المانع؟ فما مضى من سعي.. هو من ساهم في أن نصل لما نؤمن حالياً.. وما سنسعى له.. هو الذي سيوصلنا لما نؤمن به مستقبلاً.. لنمضي قُدماً.. لا نتوقف.. لكي لا نفقد معنى الحياة.. وما الحياة إلا سعيٌ لأملٍ نؤمن به !