من الأعلى.. نظرة إلى المجتمع.. هناك شيءٌ ما يحدث.. شعورٌ بأن هناك خطأ ما.. ولدَ ثورةً ونقداً تجاه الكثير مما ألفناه.. فالعقول بدأت تسأل.. والأرواح تبحث.. والجيل أُفعمٌ حماسةً للـ"تغيير".. فلم يعد مستغرباً أن نسمع أصواتاً تنادي بـ" نهضةٍ وتقدم" و "حريةٍ وحقوق".. تلك النداءات دوماً ما تهامس اليأس المحيط بأن هناك مستقبل مشرق ينتظرنا..
مراجعة الذات والسعي للإصلاح.. هو بالتأكيد أمرٌ إيجابي ومحمود.. لكن لا أعلم لماذا يخالجني ذلك الشعور المقلق.. بشأن اختلاف الرؤى حول تلك الدعوات.. فالعديد يدعو إلى مصطلح مشترك وهو "النهضة".. ومن المحتمل إن كل من هؤلاء يحمل مفهوماً مختلفاً عن "النهضة". وهذا هو الأمر الطبيعي.. فمن المستحيل أن يتفق الجميع على رؤية موحدة لدعوة ما..
ذلك القلق نتيجة للخوف من عدم حسن تعاملنا مع التعارضات أو الاختلافات بين تلك الدعوات.. فعندما يشعر الداعي للتغيير إن المجتمع لا يتجه "تماماً" نحو التغيير الذي يراه.. نتيجة لوجود دعوات أخرى تسعى للتغيير أيضاً برؤى قد تختلف.. ومن هنا قد ينتج "الصِدام".. الذي قد يصرف تلك الحماسة المشتعلة إلى نقض وهدم رؤى الآخرين بدلاً عن الاتجاه إلى البناء..
لذا يبدو لي إنه من الضروري أن يصاحب تلك الدعوات جانب قيمي.. ومن أهم تلك القيم.. قيمة "التعايش".. فمن المستحيل –برأيي- إن مستقبلنا سيُحصر برؤية واحدة وإنما سيكون عبارة عن مزيج كونته جميع تلك الرؤى التي يتبناها دعاة الإصلاح. فعندما نعي تلك الحقيقة.. كان من الواضح إنه يجب أن يكون هناك تعايشٌ بين تلك الدعوات.. فتتعاون فيما تجده هماً مشتركاً.. وتتحاور فيما وجدوه مختلفاً.. ومن الطبيعي أن لا يكون هناك اتفاق مجمل على جميع القضايا.. وعند هذه النقطة فليتجه كُلٌ إلى "البناء" فيما يراه هو الصواب.. ففي نهاية الأمر هذا البناء ستشترك فيه جميع الرؤى.. قد تطفو رؤية في جانب وتخبو أخرى في جانب أخر.. فالمجتمع نهايةً هو من يملك حق الاختيار..
هي دعوة إلى أن "نتعايش" وأن نحذر من أن تغمرنا هذه الدنيا بأمواج سنينها.. فنجد أنفسنا قد انحرفنا عن الهدف الأساسي الذي سعينا إليه.. وأن نعطي مساحة من "القبول" في حال إن ما تغير لم يكُ كما توقعناه "تماماً".. وعموماً فالساحة مفتوحاً دوماً ليثبت كلٌ رؤيتهُ التي يراها صواباً.. يثبتها بما يبنيه.. ويطرحه من رأيٍ وحجة.. J
* هذا المقال وليد لحوار مع الأخ الحبيب: حمدان الحمدان.. شكراً حمدان :)