الأحد، 11 أبريل 2010

"التعايش" .. بين دعوات التغيير

من الأعلى.. نظرة إلى المجتمع.. هناك شيءٌ ما يحدث.. شعورٌ بأن هناك خطأ ما.. ولدَ ثورةً ونقداً تجاه الكثير مما ألفناه.. فالعقول بدأت تسأل.. والأرواح تبحث.. والجيل أُفعمٌ حماسةً للـ"تغيير".. فلم يعد مستغرباً أن نسمع أصواتاً تنادي بـ" نهضةٍ وتقدم" و "حريةٍ وحقوق".. تلك النداءات دوماً ما تهامس اليأس المحيط بأن هناك مستقبل مشرق ينتظرنا..

مراجعة الذات والسعي للإصلاح.. هو بالتأكيد أمرٌ إيجابي ومحمود.. لكن لا أعلم لماذا يخالجني ذلك الشعور المقلق.. بشأن اختلاف الرؤى حول تلك الدعوات.. فالعديد يدعو إلى مصطلح مشترك وهو "النهضة".. ومن المحتمل إن كل من هؤلاء يحمل مفهوماً مختلفاً عن "النهضة". وهذا هو الأمر الطبيعي.. فمن المستحيل أن يتفق الجميع على رؤية موحدة لدعوة ما..

ذلك القلق نتيجة للخوف من عدم حسن تعاملنا مع التعارضات أو الاختلافات بين تلك الدعوات.. فعندما يشعر الداعي للتغيير إن المجتمع لا يتجه "تماماً" نحو التغيير الذي يراه.. نتيجة لوجود دعوات أخرى تسعى للتغيير أيضاً برؤى قد تختلف.. ومن هنا قد ينتج "الصِدام".. الذي قد يصرف تلك الحماسة المشتعلة إلى نقض وهدم رؤى الآخرين بدلاً عن الاتجاه إلى البناء..

لذا يبدو لي إنه من الضروري أن يصاحب تلك الدعوات جانب قيمي.. ومن أهم تلك القيم.. قيمة "التعايش".. فمن المستحيل –برأيي- إن مستقبلنا سيُحصر برؤية واحدة وإنما سيكون عبارة عن مزيج كونته جميع تلك الرؤى التي يتبناها دعاة الإصلاح. فعندما نعي تلك الحقيقة.. كان من الواضح إنه يجب أن يكون هناك تعايشٌ بين تلك الدعوات.. فتتعاون فيما تجده هماً مشتركاً.. وتتحاور فيما وجدوه مختلفاً.. ومن الطبيعي أن لا يكون هناك اتفاق مجمل على جميع القضايا.. وعند هذه النقطة فليتجه كُلٌ إلى "البناء" فيما يراه هو الصواب.. ففي نهاية الأمر هذا البناء ستشترك فيه جميع الرؤى.. قد تطفو رؤية في جانب وتخبو أخرى في جانب أخر.. فالمجتمع نهايةً هو من يملك حق الاختيار..

هي دعوة إلى أن "نتعايش" وأن نحذر من أن تغمرنا هذه الدنيا بأمواج سنينها.. فنجد أنفسنا قد انحرفنا عن الهدف الأساسي الذي سعينا إليه.. وأن نعطي مساحة من "القبول" في حال إن ما تغير لم يكُ كما توقعناه "تماماً".. وعموماً فالساحة مفتوحاً دوماً ليثبت كلٌ رؤيتهُ التي يراها صواباً.. يثبتها بما يبنيه.. ويطرحه من رأيٍ وحجة.. J


* هذا المقال وليد لحوار مع الأخ الحبيب: حمدان الحمدان.. شكراً حمدان :)

هناك 7 تعليقات:

  1. تدوينة جميلة ...

    في رأيي أن أي فرد أو جماعة تنادي بالنهضة أو التقدم أو التغيير ..

    ستكون قد شعرت بالملل من الأوضاع الحالية وذلك أدى إلى أن تبحث عن بديل أو تجديد ...

    ومن خلال بحثها فأظنها قد قابلت العديد من الاختلافات في الاتجاهات والآراء...

    فمن الطبيعي أن يكون مناصري النهضة ممن عرفوا التغيير والاختلاف ...

    فهم من الأساس متقبلون لفكرة الاختلاف والتعايش...

    خصوصاُ أن الواقع يحكي قلة - أو إنعدام - التعايش .. فمن التغيير أن يتغير هذا الواقع فتتغير هذه الصفة ...

    اتمنى اني أوصلت الصورة بشكل واضح :) ...

    شاكر لك

    ردحذف
  2. اعتقد ان ما تقدمت بطرحه من سلوك المجتمع والتيارات هو النظام الديموقراطي المجرد.

    شكرا

    ردحذف
  3. رائع .. اعجبتني فكرة بناء قيمة الاحترام والتعايش وان يبدأ الكل في البناء بما يراه ..
    بعد فترة من بناء الاساسيات التي تتفق عليها جميع الفرق اظن انه سيأتي الوقت الذي تتأتي فيه مواضع الاختلاف في الرؤى .. عندها نضطرالى ان يسود تيار معين .. وعلى الاخر ان يتقبل وان كان من المحتم ان يكون هناك صراع ومدافعة !

    ردحذف
  4. نفر.. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ;)

    غير معرف.. هل تقصد إن هذا السلوك لن يحدث إلا في حال المجتمع الذي يطلب النظام الديموقراطي المجرد؟ :)

    أبان.. يبدو لي أحياناً إن الاختلاف يظهر أيضاً فيما يراه البعض أساسياً غير قابل للاختلاف بشأنه! وأشعر إن ما سيسود لاحقاً هو تيار كونته جميع تلك الدعوات بتدافعها.. وستستمر تلك المدافعة - والتي هي بالتأكيد تعبر عن حالة صحية للمجتمع- .. المهم هو أن نجيد - إن صح التعبير - " فن التدافع" وهذا هو ما يدعو إليه هذا المقال.. :) شكراً لمرورك عزيزي..

    ردحذف
  5. جميل الانتباه الى هالثغرات مبكرا

    انا اشوف ان من حلول المشكلة:
    - التركيز على ترسيخ المباديء والافكار الاساسية اول الامر
    - ايجاد نظام لتداول الافكار المتناقضة بشكل سلمي "الديمقراطية"،داخل الدولة،وداخل كل تيار
    - زي ما قلت حمل قيم التسامح والنسبية والتواضع ونشرها وتربية الناس عليها

    اعرف ان افكاري متداخلة مع ما قلت وقاله الشباب
    ملاحظة : اقترح تشيل ألية التأكد بكلمة مموهة عند كل تعليق فهو يقلل التعليق

    ردحذف
  6. أعجبني مقولة : " هي دعوة إلى أن "نتعايش" وأن نحذر من أن تغمرنا هذه الدنيا بأمواج سنينها.. فنجد أنفسنا قد انحرفنا عن الهدف الأساسي الذي سعينا إليه.. " ،،
    نعم مما يخشى غي هذا الزمن و مع خضم الاعمال و المشاريع و الافكار نسينا الأمر الأعمق و الألزم و الذي هو الاساس اصلاً ..
    تدوينة رائعة شكراً إياد .. شكراً حمدان

    ردحذف
  7. أتفق معك طارق.. وبالإضافة إلى ترسيخ المبادئ.. وإيجاد النظام.. أرى إنه لابد من أن "نعتاد" على وجود أراء مختلفة وأن نستطيع التعامل معها بطريقة بناءة.. فكم من فكرةٍ في عالم الأفكار.. قد لا تؤتي أُكلها.. لأننا لم نستطع التعامل معها بشكل صحيح في عالمنا الواقعي..

    وشكراً على التنبيه :)

    ..

    معاذ.. فعلاً.. نحتاج أن نقف دوماً قليلاً.. لنرى هل نحن نتجه في الطريق الصحيح؟

    ردحذف